في تاريخ 30/12 /2007 أدانت المحكمة المركزية في تل ابيب الشرطي في حرس الحدود سابقا، حاييم كاسترو، الذي أطلق النار في سنة 2003 على مواطن من كفر قاسم، صالح سليمان عامر، من مسافة نصف متر وأصابه في رجله. وقد أدين كاسترو بالتسبب في إصابة بظروف خطيرة وحكم عليه بالعمل في خدمة الجمهور لمدة نصف سنة.
لقد جرى اطلاق النار في شهر ايلول سنة 2003 في فترة الانتفاضة الثانية، بعد ايام قليلة من تقديم تقرير لجنة اور التي حققت في مقتل المواطنين العرب في احداث اكتوبر 2000. المؤسسة العربية لحقوق الانسان وثقت حينذاك حادث الاعتداء [1]، فتبين انه في تاريخ 11/9/2003 دخل اربعة من افراد شرطة حرس الحدود، من بينهم كاسترو، الى قرية كفر قاسم، وتوجهوا الى كراج لتصليح السيارات يعمل فيه ثلاثة عمال وكانوا يستعدون لإغلاق الكراج، من بينهم شادي عامر، نجل صالح عامر، وادعوا انهم يبحثون عن "تراكترون" مسروق. وعندما رأوا انهم لم يجدوا أي شيء مشبوه، قاموا بالاعتداء على العمال دون أي مبرر. وعندما هرب صالح وبقية العمال من الكراج، طاردهم افراد الشرطة وهم يطلقون الرصاص الحي نحوهم. وعندما وصل صالح الى المكان وحاول حماية ابنه، اصيب في رجله برصاصة اطلقت عليه من بندقية كاسترو. ونتيجة لاطلاق النار اصيب صالح بجراح في فخذه اليمنى فأصبح معاقا بنسبة 100%. شهادات الضحايا وشهود العيان الذين تواجدوا في المكان مدعومة بصور التقطها احد الذين تواجدوا في مكان الحدث، اكرامي عارف عيسى.
المتهم اعترف انه نفذ اطلاق النار، لكنه ادعى في دفاعه عن نفسه انه صوب نحو الأرض وان المشتكي اصيب، على ما يبدو، من الارتداد وليس من اطلاق نار مباشر. كما ادعى الشرطي ان المشتكي حاول ان يرميه بحجر كبير وانه شعر في ذلك الوضع ان هناك خطرا على حياته وحياة زملائه، وإثر ذلك تصرف بدافع الدفاع عن نفسه، دون ان يفكر في نتائج اعماله. وفي الواقع، رفضت المحكمة ادعاء الشرطي وقررت، وبحق، ان ادعاءه بأنه أطلق النار بعد ان رأى بوضوح ان حياته في خطر غير صحيح. وبالفعل، تبين من الشهادات التي جمعتها المؤسسة العربية انه لم يكن هناك أي خطر يتهدد الشرطي بتاتا.
المؤسسة العربية لحقوق الانسان تبارك ادانة الشرطي، التي تشكل حسب رأيها خطوة هامة، وإن لم تكن كافية، نحو تطبيق القانون الجنائي على افراد الشرطة، المودعة في ايديهم ادوات قاتلة، وبحكم طبيعة عملهم هم ملزمون باستخدام هذه الادوات بحذر وبمسؤولية كبيرة (الامر الذي لا يحصل بشكل فعلي).
ان حادث الاعتداء على صالح من قبل الشرطة هو ليس الحادث الوحيد ولمرة واحدة، بل يشكل احد الحوادث العديدة التي تستخدم الشرطة فيها العنف المفرط، ومن ضمن ذلك اطلاق الرصاص الحي تجاه مواطنين عرب، دون ان يشكلوا خطرا على حياتهم. والحدث الابرز من بين هذه الاحداث هو احداث اكتوبر 2000، التي قتل فيها 12 مواطنا عربيا وفلسطيني من سكان الاراضي المحتلة بنيران افراد الشرطة خلال المظاهرات التي نظمها المواطنون العرب داخل الدولة في اعقاب زيارة ارئيل شارون، رئيس المعارضة آنذاك، للحرم القدسي. وأكد المواطنون العرب حينها ان الشرطة استخدمت الرصاص الحي والعيارات المطاطية دون مبرر ودن ان يتهدد افراد الشرطة أي خطر على حياتهم. وقد تأكد ذلك فيما بعد، عندما استخلصت اللجنة الرسمية برئاسة قاضي المحكمة العليا الاسبق تيؤدور اور، التي تشكلت لفحص ظروف مقتل المواطنين العرب في هذه الاحداث، ان اطلاق النار وقتل المتظاهرين العرب لم يكن مبررا، وأوصت بتقديم افراد الشرطة المتورطين في اطلاق النار الى المحاكمة (الامر الذي لم يتم حتى الآن).
رغم احداث اكتوبر القاتلة، وتوصيات لجنة اور- التي كتبت ضمن امور أخرى انه "من المهم ان يتم تذويت اهمية التعامل المدروس والمعتدل في العلاقات مع الوسط العربي، في كل مستويات الشرطة. ومن ضمن ذلك من المهم العمل من اجل استئصال ظواهر الآراء المسبقة السلبية التي برزت، ايضا لدى ضباط شرطة قدامى ومقدرين، تجاه الوسط العربي. يجب على الشرطة ان تذوت في صفوف افرادها الوعي ان الجمهور العربي عامة ليس عدوهم، وانه لا يجوز التعامل معه كعدو" [2]- قتل منذ احداث اكتوبر 2000 أحد عشر مواطنا عربيا آخر بأيدي قوات الامن في ظروف ليست وطنية- أمنية [3]. وخلال هذه الفترة كان هناك حدث واحد قتل فيه مواطن يهودي برصاص شرطي (اطلقت عليه النار بعد ان قتل والديه بسكين). وفي سنة 2006 اضيف لقائمة القتلى بأيدي الشرطة مواطنان عربيان آخران: نديم ملحم الذي قتل في تاريخ 19/1/2006، ومحمود غنايم الذي قتل في تاريخ 3/7/2006 [4]. وتضاف الى هذه الارقام الكئيبة قصص كثيرة حول استخدام العنف الجسدي من قبل افراد شرطة تجاه مواطنين عرب دون مبرر (لم تنته بموت) وفي ظروف تثير التخوف ان الحديث يدور عن عنف على خلفية عنصرية [5]. ومؤخرا، اضيف للقائمة السوداء حدث المواجهات بين الشرطة وسكان القرية العربية البقيعة في الشمال [6].
لم يتم ادانة أي من افراد الشرطة الذين كانوا متورطين في الاحداث المذكورة. في بعض الاحداث (أربعة احداث)، اتخذت قرارات بتقديم افراد الشرطة للمحاكمة، ولكن حتى اليوم لم تتخذ قرارات نهائية بخصوصهم: ولكن في معظم الحالات تقرر اغلاق الملفات ضدهم، بادعاء ان افراد الشرطة تصرفوا وفق القانون.
ومع ذلك، رغم ان الادانة بحد ذاتها هامة جدا، فإن العقوبة التي فرضت على الشرطي تزيل عمليا تأثير عملية الادانة. لمزيد الاسف، العقوبة التي فرضت على الشرطي لا تتناسب مع خطورة فعلته وهناك شك في ان تصل من خلالها رسالة حازمة لافراد الشرطة بألا يستخدموا القوة المودعة في ايديهم بعدم مسؤولية، والتي يمكن ان تؤدي الى نتائج قاتلة، بالذات تجاه السكان العرب.
وكتبت المحكمة نفسها انه "يجب على الذين يخدمون في سلطات تطبيق القانون بشكل عام، ومن ضمنهم شرطة حرس الحدود بشكل خاص، ان يتصرفوا بترو وبضبط النفس في الوقت الذي يواجهون فيه السكان المدنيين (...) ومن هنا تأتي الحاجة للتشدد مع منفذي مخالفات المس بالمواطنين من قبل مرتدي زي الشرطة عندما تصل المحكمة الى نتيجة ان المس كان دون مبرر ودون أي ضرورة". ورغم هذا الكلام القاطع، الا ان المحكمة بدل ان تفرض على الشرطي عقوبة تتلاءم وخطورة فعلته، اكتفى القاضي، بناء على توصية خدمة إصلاح المنحرفين، فقط بفرض عقوبة الخدمة لصالح الجمهور لمدة نصف سنة، موضحا انه كان يمكن أن يفرض عقوبة السجن الفعلي لو أن النيابة العامة طلبت ذلك!!!
ومن هنا لابد من طرح بعض الاسئلة: لماذا كانت المحكمة مقيدة بالعقوبة التي طلبتها النيابة العامة؟ ولماذا لم تطلب النيابة أصلا عقوبة السجن الفعلي؟ حيث أن الحديث يدور عن حادث خطير جدا تم فيه إطلاق الرصاص الحي نحو مواطن غير مسلح، في ظروف لم يتهدد الشرطي فيها أي خطر. الا تستدعي ظروف الحادث السجن الفعلي، او على الاقل عقوبة أشد من تلك التي فرضت على الشرطي!
وكان من المطلوب فرض عقوبة أشد ايضا بسبب تزايد ظاهرة استخدام الرصاص الحي من طرف الشرطة تجاه المواطنين العرب منذ احداث اكتوبر 2000. لو تم فرض عقوبة أشد على ذلك الشرطي لكان ذلك بمثابة رسالة واضحة وصارمة للشرطة بأن سياسة الاصبع الخفيفة على الزناد لا يمكنها أن تمر دون رد ملائم من سلطات القانون. ولكن، لمزيد الاسف، أخفقت المحكمة في ايصال هذه الرسالة للشرطة.
ناهيك عن أن رسالة المحكمة تجاه الشرطة كانت، أنه رغم أن أعمالا من هذا النوع هي خطيرة في جوهرها، إلا أنها ليست خطيرة بما يكفي لغرض فرض عقوبة أشد من أجل الردع. وفي ضوء العقوبة المخففة التي أصدرتها المحكمة بحق الشرطي، من يستطيع أن يضمن ألا تتصرف الشرطة مستقبلا بشكل غير مسؤول عندما تصطدم بالسكان العرب، كما حصل في العديد من المرات في الماضي؟
منقول